مصدر الخبر
العربية
الذين يعرفون صحراء الربع الخالي جيداً، يعرفون واحدة من ظواهره الطبيعية النادرة، ألا وهي السبخات الملحية التي تتشكَّل بفعل تدفق السيول من الجبال، ملتقطة الأملاح من الصخور، وعندما تترسب هذه المياه في أرض منبسطة يتبخر الماء تاركاً وراءه مساحات بيضاء تُرصّع الصحراء. وواحدة من أجمل هذه السبخات هي سبخة البحر الصافي في سلطنة عُمان، المميزة ببلوراتها الملحية الكبيرة اللامعة دائماً تحت شمس السماء الصحراوية الزرقاء.
تتمتع سلطنة عمان بتنوُّع طوبوغرافي وجيولوجي فريد، جعل من بيئاتها ومعالمها الطبيعية مقاصد سياحية بكل ما فيها من جبال خضراء وأخرى جرداء وعرة وصحاري وأودية وشلالات وشواطئ وطيور وحيوانات. كثير من التكوينات الطبيعية في السلطنة تجتذب الجيولوجيين ومحبي السفر والمغامرات والاكتشاف. ومن بينها السبخات الملحية في صحراء الربع الخالي، التي يعرفها كل من زار هذه الصحراء العظيمة، والتي تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً، إلا أن منها ما يتخذ شكلاً باهراً للنظر، يشد المصورين الفوتوغرافيين إليه، رغم ما ينطوي عليه ذلك من خطورة قد تصل إلى نقطة اللاعودة منها.
تُعدُّ هذه السبخة من أكبر السبخات الداخلية في الجزيرة العربية، إذ يبلغ طولها أكثر من 100 كم بقليل. وكانت قد لفتت أنظار كثير من الرحالة الأجانب الذين عبروا صحراء الربع الخالي، أو مرُّوا بها وهم يجوبون أنحاءه الجنوبية الشرقية، فكتبوا عنها. ويُعدُّ السير ويلفريد ثيسيجر (Wilfred Thesiger) أول رحالة بريطاني يتعرف على هذه المنطقة من خلال رحلته إلى عُمان في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، كما وصف الرحالة فون ريد (1843م) الجزء الجنوبي الشرقي من الربع الخالي، وتحدث عن سبخة أم السميم والرمال المتحركة المحيطة بها وسماها "البحر الصافي".
وعلى الرغم من الجمال الذي تنطوي عليه سبخة أم السميم، إلا أنها تُعدُّ خطرة جداً. إذ لا يمكن اجتيازها إلا من طريق محدَّدة. كما أن فيها كثيراً من الرمال المتحركة والأراضي الرخوة غير المستقرة التي تكوَّنت نتيجة تجمع مياه الأودية والأمطار.
السبخات، كما يعرف الجميع هي أراضٍ قلوية تشكَّلت بمرور الزمن بفعل ما حملته إليها السيول الموسمية من أملاح ومعادن ذائبة من الجبال والأودية التي مرّت بها ورسّبتها في هذا الموضع أو ذاك.
وتدل الأبحاث العلمية والمخبرية التي أجريت على مكوّنات سبخة أم السميم أنها تحتوي على أملاح متعدِّدة، منها: الصوديوم والكالسيوم والمغنيسوم والبوتاسيوم والفوسفور والكلوريدات والكبريتات والبيكربونات والنترات وحتى البورون بشكل ثانوي. كما تعيش فيها كائنات مجهرية ميكروبية وقشرية تتكيف مع الوسط الملحي الذي يميزها. لكن هذه السبخة وغيرها تتعرَّض لمعدلٍ عالٍ من تبخر المياه. ونتيجة لتبخر محتواها المائي، ينتج تجمع للأملاح المختلفة بتراكيبها الكيميائية التي تتبلور لتشكل في النهاية طبقة القشرة الصلبة للسبخة.
هذه الظاهرة الطبيعية لافتة للنظر على المستوى الجمالي بشكل خاص. ففي النهار، وتحت أشعة الشمس، تبدو باهرة ببياضها وبريقها. أما ليلاً، فهي تجعلك تراها من مسافة بعيدة بيضاء مضيئة، كبياض قرص القمر عندما يكون بدراً. لكنك عندما تصل إليها لا تجد أي ضوء، ولا أية أجسام مضيئة. وهذا يرتبط بوجود الفسفور بتركيزات عالية في التربة الملحية. وكان لعدسة هيثم الشنفرى، المصور العماني، إسهام قيم في توثيق الجمال الطبيعي في واحدة من بيئات عُمان الجميلة.
العربية
Add a review